-->
3efrit blogger

السبت، 28 يونيو 2014

فلاديمير لينين - برنامجنا


 
برنامجنا
فلاديمير لينين
    

تعاني الاشتراكية-الديموقراطية العالمية في الوقت الحاضر اضطرابا في التفكير. فحتى الآن كانت تعاليم ماركس وانجلس تعتبر أساسا مكينا للنظرية الثورية؛ أما الآن فترتفع في كل مكان أصوات تقول بأن هذا التعاليم لا تكفي وبأنها قد شاخت. وكل من يعلن عن نفسه أنه اشتراكي-ديموقراطي ويعتزم إصدار صحيفة اشتراكية-ديموقراطية، يتعين عليه أن يحدد بدقة موقفه من المسألة التي هي أبعد من أن تشغل بال الاشتراكيين-الديموقراطيين الألمان وحدهم.


إننا نقف كليا على أرضية نظرية ماركس: فهي التي حولت للمرة الأولى الاشتراكية من طوبوية إلى علم، وأرست هذا العلم على أسس ثابتة ورسمت الطريق الذي ينبغي السير فيه مع تطوير هذا العلم باستمرار ومع دراسته وتعميقه بجميع تفاصيله. وقد كشفت كنه الاقتصاد الرأسمالي المعاصر إذ أوضحت بأي نحو يستر استئجار العامل، شراء قوة العمل، استعباد الملايين من أبناء الشعب غير المالك من قبل حفنة من الرأسماليين، مالكي الأراضي والمصانع والمناجم وخلافها. وبينت كيف يتجه كل تطور الرأسمالية المعاصرة إلى زحزحة الإنتاج الصغير من قبل الإنتاج الكبير، ويخلق الظروف والشروط التي تجعل من الممكن والضروري بناء المجتمع على أساس اشتراكي. وعلمتنا أن نرى وراء ستار العادات المتأصلة والدسائس السياسية والقوانين العويصة والتعاليم المعقدة قصدا وعمدا، النضال الطبقي، النضال بين مختلف أصناف الطبقات المالكة وبين سواد غير المالكين والبروليتاريا التي تسير على رأس جميع غير المالكين. وأوضحت مهمة الحزب الاشتراكي الثوري الحقيقية. إن هذه المهمة لا تقوم في اختلاق المشاريع لإعادة بناء المجتمع، ولا في وعظ الرأسماليين وأذنابهم بتحسين أوضاع العمال، ولا في حبك المؤامرات، بل في تنظيم نضال البروليتاريا الطبقي وقيادة هذا النضال الذي هدفه النهائي هو ظفر البروليتاريا بالسلطة السياسية وتنظيم المجتمع الاشتراكي.
ونحن نسأل الآن: أي شيء جديد قدمه لهذه النظرية «مجددو»ها الصخّابون الذين أثاروا في زمننا هذه الضجة الشديدة ملتفين حول الاشتراكي الألماني برنشتين؟ لا شيء أبدا: فإنهم لم يدفعوا أي خطوة إلى الأمام هذا العلم الذي أوصانا ماركس وانجلس بتطويره؛ ولم يعلموا البروليتاريا أي أساليب جديدة للنضال؛ إنما تقهقروا فقط، مقتبسين مقتطفات من نظريات متأخرة، ومروجين بين صفوف البروليتاريا، لا نظرية النضال، بل نظرية التنازل، التنازل أمام أعداء البروليتاريا الألداء، أمام الحكومات والأحزاب البرجوازية التي لا تكل في البحث عن وسائل جديدة لمطاردة الاشتراكيين. ولقد كان أحد مؤسسي وزعماء الاشتراكية-الديموقراطية الروسية، وأعني به بليخانوف، على كامل الحق والصواب عندما أخضع لنقد صارم لا هوادة فيه «النقد» الأحدث، أي «نقد» برنشتين الذي تنكر لنظراته الآن حتى ممثلوا العمال الألمان (في مؤتمر هانوفر).
نحن نعرف أن سيلا من الاتهامات سينصب علينا بسبب من هذه الأقوال؛ فإنهم سيرفعون عقيرتهم بالصياح قائلين بأننا نريد تحويل الحزب الاشتراكي إلى طائفة من «الأرثوذكس» تضطهد «الهراطقة» لارتدادهم عن «العقيدة»، ولكل رأي مستقل وخلافه. ونحن نعرف جميع هذه التعابير اللاذعة الدارجة. ولكنها لا تنطوي على أي ذرة من الحقيقة ولا على أي ذرة من المعنى. فلا يمكن أن يقوم حزب اشتراكي صلب إذا لم تكن ثمة نظرية ثورية توحد جميع الاشتراكيين ويستمدون منها جميع معتقداتهم ويطبقونها في أساليب نضالهم وطرائق نشاطهم؛ وإذا ما دافعنا عن هذه النظرية، التي نعتبرها صحيحة في أعمق اعتقادنا، دون التهجمات الباطلة ودون محاولات تشويهها، فإن هذا لا يعني البتة أننا أعداء كل انتقاد. فنحن لا نعتبر أبدا نظرية ماركس شيئا كاملا لا يجوز المساس به؛ بل إننا مقتنعون، على العكس، بأنها لم تفعل غير أن وضعت حجر الزاوية لذلك العلم الذي يترتب على الاشتراكيين أن يدفعوه إلى الأبعد في جميع الاتجاهات، إذا شاؤوا ألا يتأخروا عن موكب الحياة. ونحن نعتقد أنه من الضروري بخاصة أن يدرس الاشتراكيون الروس ويطوروا نظرية ماركس بصورة مستقلة لأن هذه النظرية لا تعطي سوى موضوعات توجيهية عامة تطبق مثلا في بريطانيا على غير ما تطبق في فرنسا، وفي فرنسا على غير ما تطبق في ألمانيا، وفي ألمانيا على غير ما تطبق في روسيا. ولهذا سوف نخصص بكل طيبة خاطر مكانا في جريدتنا للمقالات في القضايا النظرية وندعو جميع الرفاق إلى مناقشة نقاط الخلاف مناقشة علنية.
فما هي، إذن، المسائل الرئيسية التي تنبثق لدن تطبيق البرنامج المشترك بين جميع الاشتراكيين-الديموقراطيين، في روسيا؟ لقد قلنا أن كنه هذا البرنامج يتلخص في تنظيم نضال البروليتاريا الطبقي وفي قيادة هذا النضال الذي هدفه النهائي ظفر البروليتاريا بالسلطة السياسية وإقامة المجتمع الاشتراكي. إن نضال البروليتاريا الطبقي ينقسم إلى نضال اقتصادي (نضال ضد مختلف الرأسماليين أو ضد جماعات مختلفة من الرأسماليين من أجل تحسين وضع العمال) ونضال سياسي (نضال ضد الحكومة من أجل توسيع حقوق الشعب، أي من أجل الديموقراطية، ومن أجل توسيع السلطة السياسية للبروليتاريا). إن بعض الاشتراكيين-الديموقراطيين الروس (وفي عدادهم، على ما يبدو، أولئك الذين يشرفون على جريدة «رابوتشايا ميسل») يعتبرون النضال الاقتصادي أهم بما لا يقاس، ويؤجلون النضال السياسي أو يكاد إلى مستقبل قد يبعد أو يقرب. إن هذا الرأي غير صحيح إطلاقا. فإن جميع الاشتراكيين-الديموقراطيين متفقون على أنه من الضروري تنظيم نضال الطبقة العاملة الاقتصادي وإنه من الضروري القيام بالتحريض بين العمال في هذا الميدان، أي مساعدة العمال في نضالهم اليومي ضد أرباب العمل ولفت انتباههم إلى جميع أشكال وحالات التعسف وتبيان ضرورة الاتحاد وتوضيحها لهم على هذا النحو. ولكن نسيان النضال السياسي بسبب النضال الاقتصادي يعني التخلي عن الموضوعة الأساسية في الاشتراكية-الديموقراطية العالمية، يعني نسيان ما يعلمه كل تاريخ الحركة العمالية. إن الأنصار المتحمسين للبرجوازية وللحكومة التي تخدمها قد حاولوا غير مرة أن ينظموا اتحادات اقتصادية صرف للعمال ويصرفوهم على هذا النحو عن «السياسة»، عن الاشتراكية. ومن الممكن تماما أن تستطيع الحكومة الروسية أيضا القيام بشيء ما من هذا القبيل لأنها حاولت دائما أن تتكرم على الشعب بصدقات تافهة أو بالأصح بصدقات كاذبة، من أجل غاية واحدة هي صرفه عن التفكير بما يكابده من اضطهاد ومن حرمان من الحقوق. إن النضال الاقتصادي، أيا كان، لا يمكنه أن يعطي العمال تحسينا ثابتا، ولا يمكنه حتى أن يجري على نطاق واسع إذا لم يتوفر للعمال الحق في تنظيم الاجتماعات والجمعيات بحرية، وإصدار جرائدهم، وإرسال ممثليهم إلى المجالس الشعبية، كما يفعل عمال ألمانيا وجميع البلدان الأوروبية الأخرى (عدا روسيا وتركيا). ولأجل الحصول على هذه الحقوق، يجب خوض النضال السياسي. وفي روسيا، ليس العمال وحدهم محرومين من الحقوق السياسية، بل أيضا جميع المواطنين. إن روسيا مَلكية أوتوقراطية لا حدود لسلطانها. والقيصر وحده يسن القوانين ويعين الموظفين ويشرف عليهم. ومن هذا يخيل أن القيصر والحكومة القيصرية في روسيا لا يتبعان أي طبقات، ويعنيان بالجميع على قدم المساواة. أما في الواقع، فإن جميع الموظفين يؤخذون فقط من طبقة المالكين وجميعهم يخضعون لنفوذ كبار الرأسماليين الذين يفعلون بالوزراء ما يريدون ويتوصلون إلى كل ما يريدون. إن الطبقة العاملة الروسية تعاني نيرا مزدوجا: فإن الرأسماليين والملاكين العقاريين ينهبونها ويسلبونها، والبوليس يقيد يديها ورجليها لكي لا تتمكن من النضال ضدهم، ويسد فمها ويقمع كل محاولة للذود عن حقوق الشعب. وكل إضراب ضد الرأسماليين يؤدي إلى توجيه الجيش والبوليس ضد العمال. وكل نضال اقتصادي يتحول حتما إلى نضال سياسي، وينبغي على الاشتراكية-الديموقراطية أن تجمع هذا وذاك بعرى لا انفصام لها في نضال طبقي واحد تخوضه البروليتاريا. أما الهدف الأول والرئيسي لهذا النضال فينبغي أن يكون الظفر بالحقوق السياسية، الظفر بالحرية السياسية. وإذا كان عمال بطرسبورغ وحدهم قد استطاعوا، بمساعدة طفيفة من الاشتراكيين، أن يتوصلوا بسرعة إلى تنازل من جانب الحكومة ـ سن قانون بتخفيض يوم العمل، فإن الطبقة العاملة الروسية كلها ستستطيع، بقيادة حزب واحد هو «حزب العمال الاشتراكي-الديموقراطي الروسي»، أن تتوصل أيضا بالنضال العنيد إلى تنازلات أهم بما لا يقاس.
إن الطبقة العاملة الروسية ستتمكن وحدها أيضا من خوض نضالها الاقتصادي والسياسي حتى وإن لم تلق أي عون من أي طبقة أخرى. ولكن العمال ليسوا وحدهم في النضال السياسي. فإن حرمان الشعب حرمانا تاما من الحقوق وتعسف الموظفين-الباش بوزوقات الوحشي يثيران غضب جميع الناس المتعلمين الشرفاء نوعا الذين لا يمكنهم أن يسلموا باضطهاد كل كلمة حرة وكل فكر حر، يثيران غضب الملاحقين من البولونيين والفنلنديين واليهود وأتباع الشيع الروسية، يثيران غضب صغار التجار والصناعيين والفلاحين الذين لا يجدون من يحميهم من تعسف الموظفين والبوليس. إن جميع فئات السكان هذه عاجزة، كلا بمفردها، عن النضال السياسي العنيد، ولكن عندما ترفع الطبقة العاملة راية هذا النضال، فإن يد المساعدة ستمتد إليها من كل مكان. إن الاشتراكية-الديموقراطية الروسية ستسير في طليعة جميع المناضلين من أجل حقوق الشعب، جميع المناضلين من أجل الديموقراطية، وآنذاك ستصبح منيعة لا تقهر !
هذه هي نظراتنا الأساسية التي سنعرضها في جريدتنا بدأب وانتظام ومن جميع النواحي. ونحن على اقتناع بأننا على هذا النحو سنسير في السبيل الذي رسمه «حزب العمال الاشتراكي-الديموقراطي الروسي» في «البيان» الذي أصدره.
تاريخ كتابته لا يقع قبل تشرين الأول (أكتوبر) 1899

صدر للمرة الأولى في 1925 في المجموعة اللينينية، المجلد 3


ليست هناك تعليقات: